لقد فقه الصحابة هذا الأمر العظيم فإذا هم يحرصون على تنقية قلوبهم وسلامتها وحين قال صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ) فطلع رجل تقطر لحيته ماء من أثر الوضوء فتبعه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فبات عنده ثلاث ليال فلم ير عنده كثير صلاة ولا صيام فسأله الخبر فقال له : ما هو إلا ما رأيت غير إني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه رواه الإمام احمد بإسناد صحيح وفي لفظ ( إلا أني لم أبت ضاغناً على مسلم )
وحين قال رجل لعمرو بن العاص رضي الله عنه : والله لأتفرّغنَّ لك قال له كلمة تنمّ عن حكمة عظيمة : إذا تقَعُ في الشغل فإن من أشتغل قلبه بالآخرين غلاً وحسداً وقع في الهم والبلاء وأشغل نفسه ووقته بما لا يعنيه وما لا طائل له من ورائه
وللإمام أحمد رحمه الله موقف رائع حين قيل له: نكتب عن محمد بن منصور الطوسي ؟ قال إذا لم تكتب عنه فعمّن يكون ذلك ؟ قالها مراراً فقيل له: إنه يتكلم فيك قال رجل صالح ابتلي فينا فما نعمل ؟! فلم يمنعه كون الرجل يتكلم فيه من تزكيته لأن قلبه قد سلم من الغل والبغضاء والشحناء
وموقف آخر للإمام الشافعي رحمه الله بعد أن ناظره يونس الصدفي فلما لقيه بعد ذلك اخذ بيده وقال له يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة وهذا ما حمل الصدفي على القول ما رأيت أعقل من الشافعي
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد ذكر تلميذه ابن القيم أنه ما رأى أحد أجمع لخصال الصفح والعفو وسلامة الصدر من ابن تيمية وأن أحد تلاميذه بشره بموت أكبر أعدائه الذين آذوه فنهره ابن تيمية وغضب عليه واسترجع وقام من فوره فعزّى أهل الميت وقال لهم " إني لكم مكانه "
فأين هذا الموقف من قلوب ملئت غلاً وبغضاً ؟! إنك لتجد الرجلين في مجلس واحد وبينهما أحد لكن في قلب كل منهما مثل الجبل العظيم من الغل والحسد والبغضاء على الآخر وإنك لتجد الجارين ليس بينهما إلا جدار واحد لا يطيق أحدهما الآخر فضلاً عما يحصل من السخرية والاستهزاء والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والغيبة في المجالس قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )