ولذا كانوا يقولون الأدب قبل الطلب ،ويقصد بذلك طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الصفات ومنها:
الكبر والحسد والكذب والجبن والخيانة والبخل ؛ لأن أدب النفس قبل أدب الدرس.
قال يوسف بن الحسين : بالأدب تفهم العلم, وقال مالك لفتى من قريش: يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم, وقال زكريا العنبري: علم بلا أدب كنار بلا حطب وأدب بلا علم كروح بلا جسم. وقال الليث بن سعد لأهل الحديث : أنتم إلى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم.
وهذا إنما يؤخذ بالقدوة كان يحضر في مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف مستمع خمسمائة يكتبون والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت.
قال أبو بكر المطوعي : اختلفت إلى أبي عبد الله - يعني الإمام أحمد - ثنتي عشرة سنة ،
وهو يقرأ المسند على أولاده فما كتبت عنه حديثاً واحداً ، إنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه.
تأمل : اجتمع القراء على أن طلحة أقرؤهم فذهب إلى الأعمش فقرأ عليه.
قال الضحاك بن مزاحم: أدركتهم وما يتعلمون إلا الورع, وقال ابن سيرين: كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم.
وكانت أم مالك تقول: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه. وقال ابن وهب: ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه.
وقال مهنا: صحبت أحمد بن حنبل فتعلمت منه العلم والأدب.
فالتمس العلم وأجمل في الطلب والعلم لا يحسن إلا بالأدب
والأدب النافع حسن السمت وفي كثير القول بعض المقت
فكن لحسن الصمت ما حييتا تعارف تحمد ما بقيتــا
وخاصة الأدب مع العلماء ، وقد جاء في الحديث ( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه )
وحقوقهم إجمالاً: حبهم ، وتوقيرهم والأخذ عنهم والدعاء لهم والذب عنهم والأدب معهم في التعلم والسؤال والقراءة في سيرهم
ومن الأدب مع الأستاذ في مجلس العلم :
1- الصمت الكثير وترك ما لا داعي إليه من الكلام والحديث
قال أحمد بن سفيان : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يتحدث أحد في مجلسه ، ولا يبرى قلم ، ولا يقوم أحد ، كأنما على رؤوسهم الطير ، فإذا رأى أحدا منهم تحدث لبس نعله وخرج.
2- الاستماع والإنصات
3- التسليم وعدم المجادلة وترك المناقشة إلا لفائدة
4- عدم الإكثار من الأسئلة والأغلوطات
5- طول الملازمة
6- عدم ذكر العلماء في مجلسه إلا بما لا يؤدي إلى مفسدة
7- يجب أن يعلم طالب العلم الجاد في التحصيل أن العلم لا يؤخذ إلا من أهل العلم العاملين، قال ابن سيرين : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم
وقال إبراهيم النخعي: كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى هديه وسمته وصلاته ثم أخذوا عنه.
وقال ابن عون : لا تأخذوا العلم إلا ممن شهد له بالطلب.
ومن أهم ما يركز عليه عند الأخذ سلامة العقيدة قال تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ).
قال أبو هريرة: سيكون في آخر الزمان ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم
كان عمرو بن عبيد يجلس وحده لما نهى ابن عون الناس عنه
لا يصحب البدعي إلا مثله تحت الدخان تأجج النيران
وما ورد عن السلف في السماح بالأخذ عن أهل البدع فهو محمول على من تأهل ووصل إلى درجة يأمن معها على نفسه
8- ليحذر طالب العلم من ترك العلماء ، والاشتغال بالأخذ عن الكتب ،
قال سليمان بن موسى : لا يؤخذ العلم من صحفي ، وقال الشافعي : من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام ، وقالوا : من أعظم البلية تشييخ الصحيفة.
9- ومن الأدب مع العالم تبجيله في الخطاب بالألفاظ والألحاظ.
قال الشافعي كنت أتصفح الكتاب بين يدي مالك خشية أن يسمع وقع ورقها
10 - ومن الأدب مع العالم الدعاء له ، قال يحي بن سعيد القطان : أنا أدعوا الله للشافعي حتى في صلاتي. وقال أحمد : ستة أدعوا لهم سحراً أحدهم الشافعي.
11- العناية بحسن السؤال في اللفظ والوقت والحال ، ولذا قالوا : حسن السؤال نصف العلم.