مشكلتي : أنه كان لي زميل بيننا احترام متبادل ثم ظفر بأمر ما كنت أرغب في الحصول عليه ، فوجدت في نفسي انزعاجا كبيرا ،وصرت أحس بكراهية ذلك الزميل وأكره سماع اسمه ، فكيف أستطيع التخلص من هذا الشعور ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد: فإن من أجل العبادات ، وأفضل القربات ، واعظم الطاعات ، سلامة الصدر على المؤمنين والمؤمنات ، ولعمر الله إنها لخلة الكرماء ، وحلية العظماء ، وهي باب من أبواب التوفيق ، وزاوية من زوايا القبول عند الله وعند خلقه ، وهي خلة الناس في كل زمان بأمس ماتكون الحاجة إليها ، وبخاصة في زماننا الذي كثرت فيه النزاعات ، واستحكمت 0وليس أورح للمرء ولا اطرد لهمومه ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب مبرأ من وساوس الظغينة وثوران الأحقاد إذا رأى نعمة تنساق إلى أحد رضي بها ، وإذا رأى أذى يلحق أحدا رثى له ورجا تفريج كربته ، ففساد القلب داء عضال ومرض قتال من سلمه الله منه سعد ، وإن الشيطان قد يعجز عن ايقاع الانسان في الشرك ولكن لا يعجز عن ايقاد نار العداوة في القلوب ، التي تلتهم الأخضر واليابس في عالم الفضائل والمناقب ، وقد كان ذلك أوَّل ذنب عُصي الله تعالى به في السماء والأرض، وأدّى إلى قتل ابن آدم الأوّل لأخيه ، وفي القرآن الكريم إشارات كثيرة لوجوب العناية بالقلب وسلامته ومن ذلك أن امتدح الله أقوامًا بأنهم يدعونه تعالى أن يطهِّر قلوبهم ويسلِّمها من البغضاء والشحناء فقال: ( وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ) [الحشر:10]. وعندما سئل النبي rأيُّ الناس أفضل؟ قال: ((كلّ مخموم القلب صدوق اللسان))، فقيل له: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ فيقول r: ((هو التّقي النقي، لا إثم ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد)) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح،
وأما علاج الغل والحسد ) ، إن سلامة الصدور وعلاجها من أعظم ما تجدر العناية به ومن تلك الطرق :
1/ إخلاصُ العمل لله عز وجل، بأن يكون المقصد هو وجهه سبحانه، وقد جاء في الصحيح عنه r: ((ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مسلم: إخلاصُ العمل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) رواه أحمد.
2/ ملازمةُ الدعاء وسؤال الله عز وجل أن يطهِّر القلبَ من هذا المرض، يقول سبحانه مبينًا حال المؤمنين الممتَدَحين: ( وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ) [الحشر:10]، وقد جاء في دعائه r: ((واسْلُل سخيمةَ قلبي))، وقال سبحانه: ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ) [فصلت:36].
3/ حُسنُ الظن بالأخ المسلم، وإعذار المخطئ من الناس، فإن المسلمَ حين يحمل إخوانه على مبدأ حسن الظن ويعذرهم إذا أخطؤوا فإن قلبه يبقى سالمًا له من الغلّ والشحناء.
4/ صيامُ ثلاثة أيام من كلّ شهر، فقد قال r: ((ألا أخبركم بما يذهب وحرَ الصدر؟! صوم ثلاثة أيام من كل شهر)) رواه النسائي.
5/ الهديةُ وإفشاء السلام، وقد جاء في الحديث: ((تهادَوا تحابّوا))، وقوله r: ((أفشوا السلام بينكم)).
6/ الصدقة والكلمة الطيبة ، يقول سبحانه: ( خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا) [التوبة:103]، ويقول سبحانه: ( وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ )ولا بد من تفعيل دور العقل في اجتناب هذه القبائح والترفع عنها .
وهنا نذكر بالوقوف بين يدى الله جل وعلا ، فيرى الإنسان صحائف أعماله من أعمال الباطن والظاهر ، فلنعد العدة ، ولنضع للسؤال جوابا ، قال أبو الدرداء : ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وحسده أسأل الله بمنه وكرمه أن يسلل سخائم صدورنا ، وأن يمن علينا بقلوب سليمة ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .